بحث هذه المدونة

المتابعون

الأحد، 12 سبتمبر 2010

التفكير

محاولة تعريف التفكير:
    يواجه علماء الفيزياء مشكلة لعل لها وجه شبه من ناحية أخرى توضح لنا نوعية المشكلة التي نواجهها وإن كانت مشكلة علماء الفيزياء مع أشياء مادية، فمشكلتهم من هذا الجانب تبقى أسهل. تتلخص مشكلة الفيزيائيين في قياس خصائص الجسيمات الصغيرة، مثل الحجم والشحنة الكهربائية والسرعة وغيرها. فقد وجدوا أنهم عند تسليط أجهزة القياس على هذه الجسيمات فإنها تؤثر على خصائصها فتأتي النتائج غير دقيقة.
   ومشكلتنا في محاولة فهم عملية التفكير أننا لا نستطيع

الدماغ: ذلك العضو المدهش.
أن نفصل أداة التفكير عن موضوع التفكير. فالأداة والموضوع واحد وهما بالإضافة لذلك أشياء غير مادية وإنما عمليات فكرية مجردة وهذا ما يجعل مهمتنا أصعب. ومع كل هذه التحديات سنحاول تعريف التفكير آخذين في الاعتبار جميع العوامل المذكورة سابقا.
   التفكير عملية حيوية، عليا موجهة تتم في الدماغ، تشترك في تنفيذها أداة التفكير، الدماغ، ويعالج فيها بعض ما يختزنه وما يتلقاه لحظة التفكير من معلومات وتجارب وقناعات واتجاهات، ويشارك في تنفيذها السيالات العصبية والتيارات الكهربائية، وتتمثل المعالجة في نوع من العمليات الأدنى كالمقارنة، والمغايرة، والتحليل، والتركيب، والتصنيف، والترتيب ... إلخ، لتكون نتيجتها في النهاية ربما فكرة جديدة أو إعادة ترتيب وتنظيم الأفكار أو بناء التوجهات والقناعات أو القيم وقد تتجاوز النتيجة مجرد إعادة بناء المعلومات الداخلية إلى إنتاج المشاعر الداخلية مثل الغضب أو الفرح أو الحزن ... إلخ، ويعبر الانسان عن هذه المشاعر بلغة الجسد وقد يتجاوزها فيعبر عنها بكلمة أو كتاب أو خطبة وقد تتحول إلى سلوك عارض أو سلوك منهجي مخطط يهدف للوصول إلى النتيجة التي قادت إليها عملية التفكير.
التفكير: مصدر كل فعل للإنسان.
   التعريف ينبغي أن يكون جامعا مانعا كما يقول العارفون بأصول فن صياغة التعريفات. وهذا ما حاولت أن أقوم به في تعريفي للتفكير، ولكن من خصائص التعريف أن يكون مختصرا أيضا، وهذا ما لم أستطع الوصول إليه، ولعل تصدينا لتعريف عملية التفكير يشفع لذلك.
   من خلال التأمل في هذا التعريف نستطيع التوقف عند المعاني التالية:

عملية حيوية:
   العملية هي ذلك الفعل المتكرر والذي يمر بخطوات معروفة ومتتابعة بشكل منطقي. والعملية التي نحن بصددها، التفكير، عملية مركبة، استطاع المختصون في هذا المجال تفكيك بعض أجزائها والتعرف على خطوات هذه الأجزاء. فعملية استئصال الزائدة الدودية عند الجراحين، هي مجموعة من الخطوات المتبعة لتشخيص حالة المريض المحتاج لتلك العملية تتبعها خطوات تعارف عليها الجراحون لاستئصال ذلك الجزء، وهي تتكرر بنفس الخطوات بغض النظر عن الجراح الذي يقوم بها. وهنا نحن أمام عملية معالجة للمعلومات تتتابع بخطوات مازال الانسان يحاول التعرف عليها وإن كان قد تعرف على بعضها.
   التفكير عملية عليا مركبة كما سبق الاشارة لذلك، ومن العمليات البسيطة التي تكون عملية التفكير، عملية المقارنة وعملية الترتيب وعملية الاهتيار على سبيل المثال. فالتفكير في اختيار وظيفة من بين عدة وظائف ذات رواتب مختلفة ستتم كالآتي. نقوم أولا بالمقارنة بين كل وظيفة والوظائف الأخرى حتى نصل لترتيب الوظائف تصاعديا أو تنازليا ثم نختار أعلاها راتبا.
   مجموعة العمليات البسيطة بمجملها تشكل عملية التفكير والتي لا يتحتم أن تشتمل عليها جميعا في نفس الوقت. فلو قمت بعملية بسيطة واحدة فقد فكرت كما لو أنك قمت بجميع عمليات التفكير البسيطة فأنت كذلك قد فكرت. وتعدد عمليات التفكير البسيطة بشكل مذهل وتنوع اختلاف ترتيبها يضعنا أمام شبكة ضخمة من عمليات التفكير التي تكاد تكون لا نهائية. وإذا أضفنا لذلك خاصية التفكير العشوائي فإننا نصبح أمام قدرة مذهلة تدل على عظم قدرة الخالق سبحانه الذي أبدع هذا العقل وخلقه. فخاصية التفكير العشوائي كانت سببا في كثير من الاكتشافات البشرية المذهلة مثل اكتشاف أرخميدس لقانون إزاحة السوائل واكتشاف المركبات الهيدروكربونية الحلقية وغيرها.
   وهي حيوية لأنها تتم في وسط حيوي.

أداة التفكير:
   الدماغ هو أداة التفكير التي يكاد يجمع عليها جميع العلماء. ويكاد يكون ذلك من المسلمات بين الباحثين في هذا مجال. والدماغ هو ذلك العضو الرخو المحاط بالجمجمة. ولعل هذا من عجائب المسلمات. فهذه العملية، التفكير، لا يزال علماء الأعصاب يجدون صعوبة بالغة في رصدها في هذا العصر، 1430 هـ الموافق 2009م، فكيف تم التوافق على أن الدماغ هو من يقوم بها رغم عدم القدرة على رصدها حتى الآن.

الفرق بين دماغ أينشتاين وأي دماغ آخر ليس في البنية الأساسية ولكن فيما يضيفة كل إنسان على هذه البنية
   هنالك إشارة في القرآن الكريم إلى أن تلك العملية قد تتم في مكان آخر بالتوازي مع الدماغ وربما على انفراد مما يتطلب عمل الباحثين المتخصصين في هذا المجال لاستجلاء الأمر. يقول الله تعالى : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج: 46]. فهل الدماغ هو أداة التفكير الوحيدة، أم أن هناك أعضاء أخرى تساعده وتوازره، أم أنه متخصص في عمليات محددة ويقوم القلب بعمليات أخرى؟ أسئلة تحتاج إلى بحث متخصص.
    كما لو أن الحيرة في أداة التفكير أين تكمن لم تكن كافية لنضيف إليها بعدا آخر أكثر إبهارا! هل أداة التفكير هي هذا العضو المادي وحسب؟ في الواقع أن هذا العضو المادي لا ينفك يبهر دارسيه والمتأمين فيه. عند ولادة الانسان يكون دماغه مزودا بمجموعة أساسية من المهارات العقلية مثل الادراك، الحفظ، الاسترجاع، التمييز...وغيرها. بمرور الزمن يزداد مخزون الدماغ من المعلومات وتزداد معه قدرته على التمييز بين الأشياء ومن ثم المقارنة والتفضيل وغيرها من المهارات. وبالتالي نحن أمام أداة حية تنمو وتزداد في القدرات والمهارات باستمرار.

موضوع التفكير:
   إذا كان الدماغ هو الأداة ففيم تعمل هذه الأداة. بمتابعة قراءة التعريف نجده يذكر مجموعة من الأشياء التي يعمل فيها التفكير، المعلومات والتجارب والقناعات والاتجاهات. وهذه مجرد أمثلة لموضوع التفكير. على قدر التعقيد والتشابك الذي رأيناه في تعريف عملية التفكير يواجهنا تعقيد وتشابك أكثر في التعرف على موضوع التفكير.
   يتلقى الدماغ معلوماته الحية عبر الحواس الخمس. هل هي خمس أم ست أم أكثر! هذه المعلومات تشكل اللبنات الأساسية لتشكيل المعرفة التي يشتمل عليها العقل. صور وأصوات ومذاقات وروائح ومحسوسات متنوعة، يراكمها الدماغ في ذاكرته ليشكل منها قواعد معلومات ومن ثم معارف.
   تتطور بعض هذه المعلومات لتشكل قدرات مختزنة، ومهارات مكتسبة، وقناعات ومسلمات واعتقادات وقيم وتوجهات وسمات شخصية وعادات متأصلة.
   عندما يعمل الدماغ التفكير في شيء ما فإنه قد يرجع إلى كل هذه المعلومات والمعارف السابق ذكرها لتحقيق هدفه من التفكير.
   هنالك مصدر آخر للمعلومات التي يرجع إليها الدماغ ألا وهي مجموعة البيانات والمعلومات الفطرية وهي التي تخلق وتخزن في الدماغ عند تكونه أول مرة. لا توجد أية أبحاث تناولت هذه المعلومات بالبحث. ولكن المؤكد أن دماغ الانسان يمارس الكثير من الأنشطة الذكية منذ الأيام الأولى لخلقه. وهذا لا يمكن أن يكون إلا يناء على معلومات فطرية. ومن أمثلة هذه الأنشطة التي يمارسها الدماغ تنظيم ضربات القلب، والتنفس، وإفراز العصارة الهضمية، والتحكم في الكثير من العمليات الحيوية اللاإرادية.

هدف التفكير
   وراء كل سلوك حيوي هدف، بغض النظر عن مشروعية الهدف من عدمها أو من نبل ذلك الهدف أو دناءته. والتفكير سلوك فلا يمكن أن يكون بدون هدف. هنالك كما سبق الاشارة تفكير واعي وتفكير لا واعي. فهل التفكير اللاواعي له هدف كذلك؟
   التفكير اللاواعي ينشأ نتيجة للنشاط الواعي

كم يختزن هذا الدماغ من البيانات والمعلومات والمعارف. 
للانسان. وهو لذلك يحاول تحقيق أهداف التفكير الواعي. إذا يبقى لدينا السؤال عن أهداف التفكير الواعي.
   بالتأمل في كل ما أنتجه الإنسان طوال تاريخه على الأرض، نستطيع أن نعيد كل منتج إلى فكرة. فالسيارة التي تركبها كانت فكرة في رأس شخص ما يوما ما وبادر إلى العمل من أجل وضعها موضع التنفيذ، وربما احتاج الأمر إلى أجيال حتى اكتملت صورتها على الشكل الذي نراه الآن. هذه المقالة التي تقرأها الآن، كانت يوما ما فكرة فر رأس كاتبها، وربما حدث بها بأشكال عديدة وهي اليوم بين يديك على شكل "نول" بعد أن طرحت جوجل هذه الخدمة على الإنترنت

0 comments:

إرسال تعليق

اخبار محلية

اخبار العالم

اخر المواضيع

المتواجدون الان